تعالو نصحى قلوبنا (أيقظ قلبك)
أما بعد ..أحبتي في الله
أريد أن أسألكم سؤالا مباشرا واضحا محددا مع " ضربة البداية "
هل تشعرون أن بينكم وبين الله مشكلة ؟؟
إن كانت الإجابة ب ( نعم ) فهل تعرفون أين المشكلة ؟
أعتقد أن أخطر مشاكلنا الإيمانية هي مشكلة ( الغفلة ) ، مشكلة عدم الشعور بالمشكلة ، غياب الوعي الإيماني ، غياب الثورة الداخلية على النفس ، الرضوخ للواقع ، عدم الرغبة الملحة في التغيير ، الركون للدعة ونظام حياة تقليدي ، وهو الحال الذي شخصه القرآن في قول الرحمن :" إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون "
هو الداء الذي يجعلك تعرض عن التذكرة وعن النهضة وعن اليقظة : {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُم} [الأنبياء: 1-3]..
فإذا كان هذا هو الداء فكيف يكون العلاج ؟؟
إنَّ الحل الأمثل لإيقاظنا هو القيام بهزِّ القلب مرات ومرات حتى يستيقظ، فإن لم يُجْدِ الهزُّ نفعًا فعلينا أن تنتقل إلى استخدام وسائل أشد وأشد حتى يستيقظ ويدرك حقيقة الوضع الخطير.. حينها سنجده يسابق الزمن لتجهيز نفسه واللحاق بالاختبار.
فأول الطريق وأول مدارج السالكين : ( أيقظ قلبك )
قال ابن القيم رحمه الله : (( فأول منازل العبودية : (( اليقظة )) وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه ومن رقدة الغافلين ..
فأخذ في أهبة السفر ، فانتقل إلى منزل العزم ، وهو العقد الجازم على المسير ، ومفارقة كل قاطع ومعوق ، ومرافقة كل معين وموصل . وبحسب كمال انتباهه ويقظته يكون عزمه ، وبحسب قوة عزمه يكون استعداده )) .
فهل أنت مستعد – أخي الحبيب – لهذه اليقظة المباركة ؟ .
هل أنت متشوق لهذا التوجّه الجديد ؟ .
هل أنت جاهز لهذا التحول في مسيرة حياتك ؟ .
المسألة ليست عسيرة :
من أهم الوسائل التي يمكنها أن تهز القلب وتوقظه من سُباتِه:
الإكثار المتوالي من تذكُّر الموت، والتنوع في استخدام الأساليب التي تحقق ذلك، ويكفيك في تأكيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت، فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسَّعه عليه، ولا ذكره في سعة إلا ضيَّقها عليه.." [رواه ابن حبان وحسنه الألباني ]
وعن صفية رضي الله عنها أن امرأة أتت عائشة رضي الله عنها لتشكو إليها القسوة، فقالت: أكثري ذكر الموت يرق قلبك، وتقدرين على حاجتك، قالت: ففعلت؛ فآنست من قلبها رشدًا، فجاءت تشكر لعائشة رضي الله عنها
وقال عمر بن عبد العزيز لرجل: أكثر ذكر الموت؛ فإنك لا تذكره عند واسع من الأمر إلا ضيَّقه عليك، ولا عند ضيق من الأمر إلا وسَّعه عليك.
وكتب إلى بعض أهل بيته: أما بعد؛ فإنك إذا استشعرت ذكر الموت في ليلك ونهارك بَغَّض إليك كل فانٍ، وحبَّب إليك كل باق، والسلام.
وقال شميط بن عجلان: من جعل الموت نُصب عينيه لم يُبال بضيق الدنيا ولا بسعته .
وكما أسلفنا فإنه لكي يتحقق المستهدف من ذكر الموت في الانتقال من حالة الغفلة إلى اليقظة فإن ذلك يحتاج إلى الإكثار والتتابع والتنوع في الوسائل وبخاصة في البداية، ويؤكد على هذا المعنى الغزالي فيقول:
إعلم أن خطر الموت عظيم، وإنما غفل الناس عنه لقلة فكرهم فيه، وذكرهم له، ومن تذكَّره منهم فإنما يذكره بقلب غافل مشغول بشهوات الدنيا لا بقلب فارغ، فلهذا لا ينجح ذكر الموت فيه.
والطريق في ذلك: أن يفرغ العبد قلبه عن كل شيء إلا عن ذكر الموت الذي هو بين يديه، فإذا باشر ذكر الموت قلبه فيوشك أن يؤثر فيه، وعند ذلك يقل فرحه وسروره بالدنيا، وينكسر قلبه أهـ
إننا لا ندعوك إلى عمل شاق يصعب عليك .. إننا ندعوك فقط إلى وقفة تأمل ، وفكرة حقيقة في المصير والمآل ، ومراجعة حثيثة لما قدمت وما ينتظرك .
فقف وتفكر في المصير
{أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [ سورة يوسف : 107 ]
{بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} [ سورة الأنبياء : 40 ]
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة ) [ رواه الطبراني وحسنه الألباني ]
والسؤال الآن : كم سمعت هذه الآيات وهذه الأحاديث وماذا أحدثت فيك ؟
لماذا هذه الغفلة مستحكمة فينا ؟
لأن الدنيا ملأت قلوبنا فتولى عنها ذكر الآخرة ، ولذلك المطلوب عمليا إحياء وإيقاظ هذه القلوب بذكر الآخرة وهذا عمليًا يكون بأمور ( هي أول واجبات حملة بناء الإيمانية )
الواجب العملي :
(1) احفظ سورة ( ق ) وحاول الصلاة بها لعدة ليالٍ ، وردد آياتها كثيرًا حتى تدخل قلبك ، فمن السنة تكرار هذه السنة كما كان يصنع صلى الله عليه وسلم كثيا في خطب الجمعة .
(2) عالج قلبك بآيات الوعيد .
(3) حاول زيارة قبر وليكن هذا ليلا لاستشعار بيت الوحشة .
(4) اجلس لمدة في حجرتك وأطفئ المصابيح وعش إحساس بيت الظلمة .
(5) اكتب وصيتك امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم .
(6) إن استطعت تغسيل ميت فأبشر يغفر لك أربعين مرة أو أربعين كبيرة فاظفر بذلك يرق قلبك.
(7) اسمع سلاسل الدار الآخرة لمن تحب من الدعاة .
( اذهب لمستشفى قسم الحالات الحرجة لتعاين معنى ( إن للموت لسكرات ) .
(9) اقرا عن الدار الآخرة ( التذكرة للإمام لقرطبي ، الدار الآخرة للشيخ محمود المصري )
(10) عليكم بالدعاء ( فاللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا )
يا أحبتي ...
أفيقوا يرحمكم الله ... فالموت يأتي بغتة ... والغفلة سرطان القلوب
إنها ضربة البداية حتى نبدا ( البناء ) ودونها لن نستطيع العمل ، كيف والقلب ميت إكلينيكيا ؟!!