غزوة الأحزاب 1
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
معركة لم يحدث فيها قتال شديد، وقتلى المؤمنين والكفار يعدون على الأصابع، ومع ذلك لم تكن معركة عادية، بل كانت من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام والمسلمين، وكانت ابتلاءً وامتحاناً، وتمييزاً بين المؤمنين والمنافقين .. ومن ثم تُعد غزوة الأحزاب من أهم الغزوات التي مرت بالمسلمين بالمدينة المنورة، ليس فقط لخطورتها أو صعوبتها، أو لانتصار المسلمين فيها، ولكن لأنها كانت غزوة فاصلة بين مرحلتين رئيستين من مراحل الحياة للدولة الإسلامية في المدينة المنورة..
بعد التجربة المؤلمة التي مرت بالنبي ص وأصحابه ي ألا وهي حادثة الإفك، بدأ اليهود بالتحرك لتدمير الدولة الإسلامية الناشئة، مع أنه كان بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق.
فذهبوا لقريش وحرضوهم على قتال النبي ص ووعدوهم النصرة بالمال والسلاح ثم تحركوا تجاه غطفان ، التي وافقت على إرسال ستة آلاف بشرط أن يقدم لهم اليهود كل تمر خيبر لسنة واحدة.
ثم التقوا ببني فزارة وبني مرة، وحفزوهم على القتال كذلك.
خرجت قريش وقائدهم أبو سفيان وبنو سليم وبنو أسد وفزارة وأشجع وبنو مرة وغطفان
درس هام1: الكفر كله ملة واحدة فاليهود وضعوا أيديهم في يد المشركين رغم اختلاف عقائدهم ومناهجهم، ووافق المشركون على هذا التحالف
كان من وافى الخندق من الكفار عشرة آلاف
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً {9} إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً {11} الأحزاب
لم يكن النبي ص في غفلة عن تلك التحركات اليهودية الآثمة بل كان متنبها لها، وبعد أن تأكد مما فعله يهود، وعزم المشركين على غزو المدنية عقد اجتماعًا مع الصحابة لأخذ المشورة
درس هام: تأصيل الشورى لتكون من أصول المجتمع التي لا يحيد عنها
وهي أمر إلهي قال تعالى: .... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {159} آل عمران
وهنا أشار سلمان الفارسي ا بفكرة جديدة ألا وهي: حفر الخندق وكانت المدينة محمية طبيعية من ثلاث جهات بالحرات التي يصعب دخول الخيل منها، فكانت فكرة سلمان ا حفر الخندق من الجهة الرابعة وهي شمال المدنية فوافق النبي ص وأمر بحفره.
درس هام: الأخذ بالأسباب (حفر الخندق - استغلال التضاريس الجغرافية ..)
وكان حجم الخندق كبير جدا بمقياس ذلك الوقت فقد كان طوله حوالي 2500م،وعرضه 4.5م وعمقه 5م، ولكن الصحابة اجتهدوا في العمل الصعب، فأتموا هذا الأمر في ستة أيام
أظهر حفر الخندق صدق المسلمين، فقد تواثبوا على الحفر، ولم يتأخر أحد منهم في العمل، وكانت معنوياتهم مرتفعة جدا أثناء الحفر، خاصة وهم يرون حبيب الرحمن وهو يحفر معهم، ويجتهد فوق اجتهادهم
وكان رسول الله ينشد مع الصحابة قولهم:
والله لولا الله ما اهتدينا *** ولا تصدَّقنا ولا صلينا
فأنزلنْ سكينة علينا ***وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا ***إذا أرادوا فتنة أبينا
درس هام: أعطى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القدوة العملية في مشاركته لأصحابه التعب والعمل، والآلام والآمال..
وفي ذلك تعليم للقادة ألا يتميزوا عن جنودهم، وأن يعطوهم القدوة بفعلهم، فالرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ شارك الصحابة في حفر الخندق، وحمل الحجارة، وجاع كما جاع أصحابه
انسابت الأحزاب حول المدينة وضيّقوا عليها الخناق وجابه المسلمون الحاضر المرّ.
واشتغلت الماكينة الإعلامية المضادة ماكينة المنافقين
فقد سخروا من ذلك، فلا إيمان معهم يحضهم على التصديق بالله ورسوله ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً {12}وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً {13} [الأحزاب]
كان الموقف صعبٌ جدا، ومع هذا كان الجوع قد دب بين المسلمين، بل إنه استحكم بهم، وكان الصحابة ي يربطون الحجر على بطونهم، ورسول الله ص يربط الحجرين، وعند ذلك ظهرت بعض المعجزات.
قالت ابنة بشير بن سعد أخت النعمان بن بشير دعتني أمي فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي ثم قالت: اذهبي إلى أبيك وخالك بغدائهما قالت: فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله ص وأنا التمس أبي وخالي فقال: تعالى يا بنية ما هذا معك؟ فقلت: يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه قال: هاتيه قالت: فصببته في كفي رسول الله ص فما ملأتهما ثم أمر بثوب فبسط له ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب ثم قال لإنسان عنده: اصرخ في أهل الخندق: أن هلم إلى الغداء فاجتمع الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب.
نقض اليهود للعهد
انطلق حيي بن أخطب إلى بني قريظة فدنا من حصنهم فأبى كعب بن أسد أن يفتح له فلم يزل يكلمه حتى فتح ولم يزل به حتى نقض العهد الذي بينه وبين رسول الله ص
وسارت الشائعات بين المسلمين إن بني قريظة خانوا العهد ونقوا الميثاق
مهمة خاصة:
بعث رسول الله ص برجال من الأنصار منهم سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج .. وقال لهم انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقاً فألحنوا لي لحناً أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس
درس هام: حكمة القائد وحرصه على رفع الروح المعنوية للناس وتجنب إذاعة ما ينقصها وكما قالوا: ليس كل ما يعرف يقال..
فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله ص فسلموا عليه ثم قالوا: عضل والقارة أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه
فقال رسول الله ص: الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين.
فر المنافقون من أرض المعركة زاعمين أنهم يريدون حماية بيوتهم من هجوم الكفار، وكاد بعض الصحابة أن يفعلوا مثلهم ولكن ثبتهم الله،
﴿.. وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً ﴾ [الأحزاب:13]
أطبق المشركون على المدينة قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب. من أعلاها ومن أسفلها.
الموقف من خارجه: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم}..
ثم ننظر فنرى أثر الموقف في النفوس: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر}.. وهو تعبير مصور لحالة الخوف والضيق، يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب.
{وتظنون بالله الظنونا}.. ولا يفصل هذه الظنون. ويدعها مجملة ترسم حالة الاضطراب في المشاعر.
ثم تزيد سمات الموقف بروزاً: {هنالك ابتُلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً}.. والهول الذي يزلزل المؤمنين لا بد أن يكون هولاً مروعاً رعيباً.)
ولقد أمسى المسلمون وأصبحوا فإذا هم كالجزيرة المنقطعة وسط طوفان يتهددها بالغرق ليلاً أو نهاراً.
وعرف المسلمون ما يتربص بهم وراء هذا الحصار، فقرروا أن يرابطوا في مكانهم ينضحون بالنبل كل مقترب، ويتحملون لأواء هذه الحراسة التي تنتظم السهل والجبل، وتتسع ثغورها يوماً بعد يوم)