من أصيب بأمراض نتيجة معصية هل تكون له كفارة ؟
الخير للمسلم العاصي أن تعجَّل له عقوبته في الدنيا بما يصيبه به ربه تعالى من أمراض ومصائب في ماله أو بدنه ، وهذا خير له من تأخير ذلك لعقوبته بها في الآخرة .
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
رواه الترمذي (2396) وحسنه ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي " .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والإنسان لا يخلو من خطأ ومعصية وتقصير في الواجب ، فإذا أراد الله بعبده الخير : عجَّل له العقوبة في الدنيا ، إما
بماله أو بأهله أو بنفسه أو بأحد ممن يتصل به .
فإذا رأيت شخصاً يبارز الله بالعصيان وقد وقاه الله البلاء وأدرَّ عليه النعَم : فاعلم أن الله إنما أراد به شرّاً ؛ لأن الله أخَّر عنه العقوبة حتى يوافي بها يوم القيامة .
" شرح رياض الصالحين " ( 1 / 258 ، 259 ) .
ومن هنا قال الحسن البصري رحمه الله : " لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك ، ولرب أمر تؤثره فيه عطبك - أي : هلاكك – " .
2. ومن فوائد إصابة المذنب بالمصائب أنها تذكره بربه تعالى ، فربما تُحدث له توبة ورجوعا إلى ربه تعالى ، وربَّما تجعل منه عبداً صالحاً طائعاً يعوِّض ما فاته من حياته بالأعمال الصالحة .
قال تعالى ( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم/ 41 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
أي : استعلن الفساد في البر والبحر أي : فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها ، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك ، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها .
هذه المذكورة ( لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ) أي : ليعلموا أنه المجازي على الأعمال ، فعجَّل لهم نموذجاً من جزاء أعمالهم في الدنيا .
( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عن أعمالهم التي أثَّرت لهم من الفساد ما أثرت ، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم ، فسبحان من أنعم ببلائه ، وتفضل بعقوبته ؛ وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة .
" تفسير السعدي " ( ص 643 ) .
والدلائل على أن المصائب كفارات : كثيرة ، إذا صبر عليها : أثيب على صبره ، فالثواب والجزاء إنما يكون على العمل وهو الصبر ، وأما نفس المصيبة : فهي من فعل الله لا من فعل العبد ، وهي من جزاء الله للعبد على ذنبه وتكفيره ذنبه بها ، وفي المسند " أنهم دخلوا على أبى عبيدة بن الجراح وهو مريض ، فذكروا أنه يؤجر على مرضه ، فقال : " ما لي من الأجر ولا مثل هذه ، ولكن المصائب حِطَّة " ؛ فبيَّن لهم أبو عبيدة رضى الله عنه أن نفس المرض لا يؤجر عليه ، بل يكفر به عن خطاياه .
" مجموع فتاوى ابن تيمية " ( 30 / 363 ) .
المصدر الملتقى الفقهى العام